المقدمة
دائمًا ما تبهرنا المبادئ المُستجدة في عالم الإدارة والأعمال بأطروحاتٍ فذّة لم يسبق لنا أن عرفناها قبل أن تصبح حديث الناس وأصحاب المؤسسات، ولكن مع استمرار هذا الضخ الكبير للأفكار والمبادئ يأتي السؤال الأهم “هل كل مبدأ جديد هو مبدأ يستحق التطبيق؟” أم أن هذه الأفكار الخارجة عن المألوف قد لا تكون مُجدية بالفعل لاستراتيجية مؤسستك؟ فالخروج عن المألوف هو أمرٌ محمود إلاّ أنه قد يُثمر بنتائجٍ لا تُحمَد عُقباها إذا كان الاختيار أو التطبيق أو كلاهما في غير موضعه.
قاعدة اليوم ليست جديدة في عالم بالأعمال، وقد رأت الضوء بالفعل إلاّ أنها تستمر في الصعود والاستحواذ على اهتمام الغالبية في الوقت الذي مازلنا نشهد فيه العديد من القواعد الأخرى التي قد تكون مواكبة للصيحات الحالية أكثر. إذًا، ما الذي يجعل أصحاب الأعمال وحتى الأشخاص العاديون أي أنت ونحن نحبها ونسعى لمعرفة المزيد عنها لتصبح نهجًا نطبقه في حياتنا؟
اختيارنا لليوم هو لمبدأ باريتو أو ما يعرف على نحوٍ شائعٍ أكثر بقاعدة ال80/20 فهل سمعت عنها من قبل؟ إن كانت إجابتك هي “نعم” هنيئًا لك، وإنّ كانت “لا” هنيئًا لنا لأننا على وشك أن نشارك هذه المعرفة معك والغوص في أعماقها أكثر!
ما هي قاعدة 80/20 ؟
قاعدة ال80/20 أو ما يعرف بمبدأ باريتو هو مبدأ صاغه الخبير الاقتصادي الإيطالي فيلفريدو باريتو بناءًا على ملاحظاتٍ مثيرة للاهتمام توصل إليها في مطلع القرن العشرين تبين من خلالها أن 80% من الثروات في إيطاليا كانت موزعة بأيدي 20% من السكان فقط. بعبارةٍ أخرى، فئةٌ قليلةٌ كانت السبب وراء النسبة الأكبر من ثروات الاقتصاد في الدولة.
نتيجةً لهذا الاكتشاف قرر باريتو التوسع أكثر بهذه الملاحظات ودراسة إمكانية جعلها مبدأ يمكن تَبنيه في عالم الأعمال، والتجارة، والإدارة المالية، وبشكلٍ عام أي مجالٍ آخر في الحياة. وينص مبدأ القاعدة بشكلٍ عام على حقيقة أن 80% من المُخرجات هي حصيلة 20% من المُدخلات، أي أن 20% مما تقدمه قد يكون السبب الذي يقف وراء 80% من النتائج التي تحصل عليها دون أن تدرك ذلك.
لنأخذ مثالًا توضيحيًا يساعدك في فهم مبدأ باريتو على نحوٍ أفضل.
تشير قاعدة ال80/20 إلى استخدام الموارد والأصول بكفاءة أعلى مما يسهم في تحقيق أقصى درجات الاستفادة والحصول على قيمة أعلى من النتائج المعتادة. ولكن، يكمن مفتاح الباب هنا في كيفية طرق الباب وتطبيق هذا المبدأ بشكلٍ صحيح، حيث أنه يسعى إلى تسليحك بما يلزم لتحقيق المزيد بجهدٍ قليل، والعمل بذكاءٍ أكبر بدلاً من العمل بجهدٍ أكبر. رائع، والآن وقد أصبحت على درايةٍ بما يعنيه هذا المبدأ، لنأخذ مثالاً حيًا يساعدك على فهمه.
- لنقل إنك تحاول تنظيف غرفتك بعد أسبوعٍ طويلٍ من الفوضى. غالبًا ما ستكون الخطوة الأولى لتنفيذ هذه المهمة الشاقة هي تحديد أجزاءٍ من الغرفة ستبدأ العمل عليها لجعل عملية التنظيف سريعة وسهلة قدر الإمكان. بغض النظر عن الخطة التي ستتبعها للبدء بتنظيف هذه المهام المؤجلة فإنّ النتيجة واحدة، سوف ينتهي بك الأمر بغرفةٍ نظيفة، لكن كيفية البدء في تنفيذ في هذه المهمة ووضع سلم الأولويات هو ما يحدد مدى كفاءة وسرعة الإنجاز. حيث إن تنفيذ المهمة ليس كل شيء، كيف تنفذها هو ما يهم، وإذا اخترت تنفيذها بحكمة سترى نتائج ملحوظة.
وهذا ما تدور قاعدة 80/20 في تنفيذ الأهداف حوله، حيث إن الهدف هو معرفة ما يشكل أفضل 20% من المدخلات لديك للحصول على أفضل 80% من المخرجات التي تريدها. وفي لغة الأعمال، تعني التعرف على نخبة العملاء التي تشكل 20% وتساهم في تحقيق 80% من إيرادات المؤسسة. أي من هي الفئة القليلة التي تسهم في تحقيق نتائج كبيرة.
المغالطات المرتبطة بقاعدة 80/20
يعد تبني مبدأ باريتو أو قاعدة 80/20 نهجًا فعّالا لدى تطبيقه في العمل، إلاّ أنه غالبًا ما يتم الترويج له على نحوٍ مُضّللٍ بعض الشيء دون الالتفات إلى الفكرة الجوهرية التي يطرحها في واقع الأمر. إن قاعدة ال80/20 هي مهمة بالفعل ولكنها ليست الحل السحري الذي سيضاعف إيرادات مؤسستك دون تطبيق بعض الأمور قبل ذلك، فهي تساعدك على تقديم أفضل ما لديك بعد قيامك بوضع حجر الأساس الصحيح قبلها وهذا يعني بناء قاعدة موسعة عن البيانات، والأرقام، والعملاء التابعين لمؤسستك وتطلعات المؤسسة القادمة.
وبمجرد أن أصبح لديك ما تتكئ عليه سيكون من السهل الآن تنفيذ هذا المبدأ والعمل به، لماذا؟ لأنك تملك بالفعل الأساس الذي تحتاجه من قبل وكل ما عليك فعله الآن هو تحليله وفقًا لمبدأ باريتو. حيث يعمل على توسيع المدارك لديك لمعرفة العملاء الذين يساهمون في تحقيق النسبة الأعلى من إيرادات المؤسسة والتركيز عليهم، أو حتى التعرف على أكثر الموارد استنزافًا للكلفة التشغيلية في المؤسسة ووضع حلٍ ملائمٍ لها.
ويمكن توسيع نطاق هذه القاعدة وتطبيقها خارج أمور العمل والمؤسسات. هذا يعني إمكانية تبنيها لوضع أهدافك اليومية البسيطة أو خطط المؤسسة المالية الكبيرة، لأن مبدأ باريتو هو مبدأ يمكن استخدامه من قِبل الجميع دون استثناء.
كيفية استخدام قاعدة 80/20 لتحقيق إدارة مالية أفضل في المؤسسة
كما وضحنا مسبقًا فإن استخدام قاعدة 80/20 هو ممكن في جميع مجالات الحياة وليس فقط في العمل. وفي مقالة اليوم نعرض لكم كيف يمكن تطبيق مبدأ باريتو لاتخاذ قراراتٍ ماليةٍ أفضل.
1- معرفة أين تكمن إيرادات المؤسسة
إن إعطاء عملائك المعاملة التي يستحقونها هو ما يحدد رغبتهم في الاستمرار معك أو البحث عن مزود خدمة آخر. ولكن إن كنت غير قادر على معرفة من هم العملاء الذين يساهمون في أكبر قدر من إيرادات المؤسسة كيف لك أن تقدم لهم هذه المزايا الإضافية لتشعر
هم بالتقدير الذي يستحقونه؟ فضلاً عن أنك بالطبع لن تتهور في منح هذه الامتيازات المحددة لأي عميل أليس كذلك؟
في مثل هذه الحالة يعد تطبيق قاعدة 80/20 أمرًا محبّذًا بالفعل بالأخص إذا قمت بتوظيف أدوات تساعدك في معرفة البيانات اللازمة لتحديد هذه الفئة من العملاء بدقة أكبر. نأخذ على سبيل المثال لا الحصر الخصائص التحليلية التي يقدمها نظام إنفويس كيو لمستخدمي النظام. حيث تعمل هذه الخصائص المتقدمة على تمكين المستخدمين من تحليل الفواتير، والأرقام، وبيانات العملاء، وبيانات البائعين، وغيرها الكثير. وهذا بدوره يعني توفير فرصة ملائمة جدًا لتطبيق مبدأ باريتو وفقًا لبيانات تستند على أدوات تحليلية دقيقة.
2- تبسيط عملية تحصيل الفواتير في المؤسسة
إن كنت تعتقد أن عملية تحصيل الفواتير تقتصر على جمعها ومشاهدة إيراداتك في ازديادٍ فقط، ربما يجدر عليك التفكير مجددًا في ذلك. قاعدة 80/20 تمّكنك من اكتشاف تفاصيل مثيرة للاهتمام حقًا لربما لم تلتفت لها مسبقًا مثل الفواتير المميزة، والعملاء المرتبطين بها. ولكن الخطوة الأولى حتى تتمكن من معرفة ذلك تكمن في امتلاكك أنظمة تساعدك على الوصول إلى هذه البيانات التي تحتاجها. ولحسن الحظ فإن مستخدمينا في إنفويس كيو قادرين بالفعل على الوصول إلى هذه التفاصيل من خلال النظام.
معرفة هذا التفاصيل تعطي أصحاب الأعمال القدرة على تصميم خطط مصممة، وعروض مخصصة، وخصومات والكثير من الامتيازات الأخرى لجعل العملاء يشعرون بالتقدير والرضا أثناء استخدام الخدمات المُقدمة. ويمكن القيام بذلك بكل سهولة عبر نظام إنفويس كيو الذي يجعلك قادرًا على تتبع الفواتير لكل البضائع والخدمات التي تم بيعها وشراؤها، بالإضافة إلى تقارير مفصّلة مبينة وفقًا لبيانات فورية تواكب آخر المستجدات حتى اللحظة.
3- تحسين مراقبة التكاليف وإدارة المصاريف
إن عملية مراقبة أعلى مصادر الإيرادات في المؤسسة تعد جزءًا مهمًا لا يمكن فصله عن عملية مراقبة أعلى مصادر التكاليف في المؤسسة على حدٍ سواء، إذ لا يمكن متابعة كلاً منهما على حدىً. حيث تتيح عملية تحديد التكاليف المرتفعة في المؤسسة إدارة أفضل للمصاريف على نحوٍ ملحوظ. بعبارةٍ أبسط، قم بالتركيز على ما يشكل 20% من المصاريف التي تلعب دورًا رئيسًا في التأثير على 80% من خطة المؤسسة الكلية لحساب التكاليف. والنتيجة هي إدارة أفضل للمخاطر، وتوزيع أذكى لموارد المؤسسة.
لنضع النقاط على الحروف
قاعدة 80/20 هي في النهاية قاعدة كغيرها من القواعد وتلعب دورًا مهمًا ولكن من الضروري حقًا مراعاة الأمور المهمة التي ترتبط بها وتعد عاملاً رئيسيًا ومساهمًا في نجاحها وهذا يتمثل في معرفة ما عليك فعله قبلها وبعدها.
إضافةً لذلك، توظيف مبدأ باريتو أو قاعدة 80/20 كفيلٌ بتعليمك أين تصب جُل تركيزك في العمل ولكنه لا يعني على الإطلاق ألاّ تلتفت لباقي التفاصيل فقط لكونها أقل أهمية من تلك التي تقع ضمن فئة ال20%.
الحياة تُبنى على التوازن والاعتدال، لذا فإنّ اتخاذ قراراتٍ حكيمة لا بد وأن يكون هدفك الأساسي إذا كنت تسعى للحصول على نتائج مُرضية وذكية. ولكن تذكر دائمًا ألا تنسى بأن الحياة أقصر من أن تترك قطعة الحلوى التي تريدها في محاولةٍ منك لتأجيل أفضل الحلول واستخدامها كحلٍ أخير. تعلم الاستمتاع في إدارة أولوياتك في العمل كما تستمتع في تناول قطعة الحلوى الخاصة بك بكل ما فيها من نكهات، كل ما عليك فعله هو معرفة كيفية البدء بها وما بعدها هو سيغدو نتيجةً ممتعةً بالفعل.