المقدمة
مع استقبالنا للعام الجديد 2024 نستقبل معه أيضًا أفكارًا جديدة تخرجنا عن نطاق كل ما اعتدناه من التقليدي والمألوف. ولأن المعتاد قابلٌ للتغيير كذلك، فقد بتنا ندرك الآن أن الصيحات الجديدة لم تعد محصورةً بالموضة أو الأزياء أو المؤثرين فقط! اليوم يحتضن العالم الذي نعيش فيه صيحاتٍ في القطاع التكنولوجي أكثر من أي وقتٍ قد مضى وهو ما يتيح لنا الفرصة لرؤية صيحاتٍ وابتكاراتٍ فريدة بالأخص في قطاع الحلول المالية. حيث تزداد الحلول المالية المبتكرة يومًا بعد يومٍ لنرى مع ضوء كل يومٍ ابتكارًا جديدًا يهدف إلى تبسيط ورقمنة العمليات المالية وطرق إدارتها وتنفيذها.
وما بين هذا وذاك، لا شك أنك قد سمعت بمصطلحٍ مثل “التكنولوجيا المالية” لكن هل تعرف حقًا ما يعنيه؟ إن كانت إجابتك هي “نعم” فأنت على وشك أن تتعرف على مصطلحٍ آخر جديد يعرف باسم “التكنولوجيا التنظيمية” أو “التكنولوجيا الرقابية”.
يرتبط كلا المصطلحين ببعضهما البعض إلا أن الفرق بينهما حاضر. واليوم سنخرج من المنطقة الرمادية التي تحيط بهما وندخل بصلب الموضوع ليكون الفرق بينهما واضحًا وجليًا كما نرى الأبيض والأسود كُلًا بمعزلٍ عن الآخر.
ما هي التكنولوجيا المالية؟
يستخدم مصطلح التكنولوجيا المالية للإشارة إلى الحلول والابتكارات المالية المدعمة بالتكنولوجيا. ويعد الهدف الأساسي منها هو تبسيط الآلية التي يتم بها إدارة الأنشطة المالية وتنفيذها على أصعدة مختلفة في عدة قطاعات. وهذا يعني الاعتماد على بدائل مؤتمتة تعمل على توفير نتائج أداء أفضل للعملاء أي مستخدمي الخدمة والشركات أي مقدمي الخدمات.
تستبدل حلول التكنولوجيا المالية الطرق التقليدية المستخدمة سابقًا بحلول تعتمد على الأتمتة في أداء المهام وبذلك فهي تسهم تسريع معالجة العمليات المالية وتقديم تجربة سلسة للعملاء تمّكنهم من الحصول على النتائج التي يرغبون بها دون الاعتماد على موافقة عدة جهات ومعاملات يدوية لإتمام الخدمة التي يحتاجون إليها. حيث تعمل حلول التكنولوجيا المالية على تحقيق أفضل النتائج بأقل قدرٍ من التدخل البشري لإتمام العملية.
أبرز الخدمات والحلول التي تقدمها شركات التكنولوجيا المالية ويتم توظيفها بأنشطة الحياة اليومية تشمل حلول الدفع الرقمية (أونلاين)، تخليص معاملات مالية وخدمات أخرى عبر المنصات الرقمية دون الحاجة إلى الحضور الشخصي للبنك أو المؤسسة لإتمام العملية، إصدار وإرسال الفواتير الإلكترونية، العملات الرقمية، وغيرها الكثير.
وتعمل جميع هذه الحلول من أجل خدمة هدفٍ واحد ألا وهو الحصول على ربحٍ أكبر بكلفةٍ أقل، ونتائج أدق بوقتٍ أقل، وكفاءة أعلى ومعدلات خطأ أقل، ومستويات حماية أمنية أعلى للبيانات.
ما هي التكنولوجيا التنظيمية؟
تعتمد التكنولوجيا التنظيمية أو التكنولوجيا الرقابية كما التكنولوجيا المالية على التكنولوجيا كأداة لتقديم حلولها واستبدال الحلول التقليدية المتبعة لأداء المهام، بأخرى تعكس صوت التكنولوجيا الحي في عصر التقنية الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية في كل دقيقة. ولكن، الفرق يكمن في أن شركات التكنولوجيا التنظيمية معنية بتقديم حلول مؤتمتة في الامتثال التنظيمي فقط.
ولكن ما الذي يعنيه هذا؟
بعبارة أبسط فإن التكنولوجيا التنظيمية هي المجال الذي سوف تتجه إليه لدى بحثك عن مقدمي خدمات معنيين بتوفير حلول وأدوات تساعد منشأتك على الامتثال للقوانين والتشريعات التابعة للجهات الرقابية في دولتك وفقًا لنوع الخدمات التي تقدمها ولكن بتكلفة أقل وكفاءة أعلى. ويتم هذا عبر حلولٍ تعتمد على العنصر البشري بنسبةٍ قليلة إلى منعدمة.
ماذا تشمل؟
تساعد شركات التكنولوجيا التنظيمية المنشآت على متابعة المعاملات والتعاملات المالية في الوقت الفعلي مما يسهم في تجنب المشاكل قبل وقوع الضرر. وعليه فإن الدور الذي تلعبه في تمكين المستخدمين من أداء مهام حساسة مثل إدارة المخاطر والأزمات، والتعرف والتحقق من هوية المستخدمين، وملاحظة أي أنماط مشبوهة في تصرف الموظفين في المنشأة، والكشف عن التعاملات المالية غير المشروعة، وغيرها يعد مهمًا جدًا ولا يمكن استبداله.
ولكن كن على علمٍ أن شركات التكنولوجيا التنظيمية أو الرقابية لا تتشابه جميعها في نوع الخدمات التي تقدمها حيث أنها كما غيرها من الشركات تشمل خدمات متنوعة فما تقدمه شركة ما قد لا تقدمه شركة أخرى والعكس صحيح. أبرز الخدمات التي تقدمها شركات التكنولوجيا التنظيمية أو الرقابية هي التحقق من محاولات الاحتيال، وسجلات التدقيق، وإدارة امتثال البيانات التنظيمي، ومراقبة أداء الموظفين ضمن عدة خدمات أخرى.
يعتمد اختيار مقدم الخدمة على حاجة المنشأة أو الغرض الذي تسعى إلى تلبيته. فإذا كان الهدف على سبيل المثال هو تتبع الحركات المالية المشبوهة على البطاقات الائتمانية فإن المنشأة ستسعى لإيجاد شركة تكنولوجيا تنظيمية متخصصة في تقديم خدمات تتبع لمثل هذا الغرض وتجنب مشاكل مثل اختراق البيانات وغيرها مما يرتبط بها بدلًا من اختيار شركة تكنولوجيا تنظيمية خدماتها تُعنى بإدارة تحليلات البيانات المتقدمة لأنها لا تمثل الهدف الأساسي الذي تسعى لتتبعه في هذه المرحلة. إذ إن الأولويات هي ما يحكم اختيارك بشكل رئيسي.
وهذا لا يتعارض مع حقيقة أن بعض شركات التكنولوجيا التنظيمية قد تقدم خدمات رقابية ضمن عدة مجالات كما أنه لا يعني في الوقت ذاته أن هذا التنوع في الخدمات المُقدمة هو أمرً حتمي في كل شركات التكنولوجيا التنظيمية.
التكنولوجيا المالية أم التكنولوجيا التنظيمية، ماذا تختار؟
ما زلت في حيرةٍ من أمرك ولا تعرف الطريق الأفضل لتسلكه؟ ابقَ معنا حتى تتمكن من معرفة معلومة ما أو ربما أكثر! لأن لكل واحدةٍ منهما دورها المهم الذي لا يمكن استبداله وهدفٌ معين قد وُجِدت لتخدمه في المنشآت، وتبعًا لحاجة صاحب المنشأة قد ينتهي بك المطاف بإحداهما أو كلاهما.
كيف تتخذ القرار المناسب لمنشأتك؟
أول ما عليك فعله هو تحديد حاجات منشأتك ومعرفتها بدقة وحتى تتمكن من القيام بذلك عليك أن تكون على علمٍ بالمجال الذي تغطيه خدماتك التي تقدمها والبحث عن المتطلبات المفروضة لضمان امتثال خدماتك للقوانين والتشريعات المعتمدة في الدولة التي تدير منشأتك بها.
بكلماتٍ أوضح، لنفترض أنك تدير منشأة مالية تقدم خدمات رقمية تتطلب حدوث تعاملات مالية بشكل يومي مع العملاء، إذا كان هدفك هو تسهيل الآلية التي تتم بها عمليات الدفع والتعاملات المالية، أو الاحتفاظ بسجلات للبيانات جميعها فإنّ الخيار الأنسب لك في هذه الحالة هو البحث عن حلول تكنولوجيا مالية تساعدك في تحقيق ذلك.
ولكن في حال كنت تبحث عن حلول لتتمكن من التصدي لمحاولات الاحتيال أو غسل الأموال، أو تتبع نمط مشبوه في تصرفات العاملين على النظام لديك أو حتى العملاء فإنّ القرار الأفضل سيكون حلول تكنولوجية تنظيمية أو رقابية لتتمكن من مراقبة الأداء العام في المنشأة وتنظيم التدابير اللازمة.
توضيح كيفية استخدام حلول التكنولوجيا المالية وفقًا للمثال أعلاه:
– استخدام نظام فوترة إلكتروني لإصدار واستقبال الفواتير الإلكترونية عن طريق نظام إلكتروني واحد قادر على إدارة العملية عبر أدوات أتمتة تلغي الحاجة إلى الحلول التقليدية ذات الاعتماد المباشر على العامل البشري لتولي تنفيذ المهام والمتابعة الدورية.
توضيح كيفية استخدام حلول التكنولوجيا التنظيمية وفقًا للمثال أعلاه:
– استخدام أداة اعرف عميلك (KYC) لمعرفة العملاء لديك عبر التحقق من معلوماتهم وهويتهم لدى تسجيلهم واستخدامهم للخدمات. هذا يشمل معلومات مثل بطاقات الهوية الشخصية، ومعلومات التواصل المُدرجة، ومصدر الدخل، وجواز السفر، وغيرها حسب نوع الخدمة التي يتقدم عليها العميل بطلب وما تتطلبه من معلومات.
بعد تحديد حاجات منشأتك واتخاذ القرار فيما يتعلق بالميزانية عليك إجراء دراسة جيدة للميزانية التي يمكن أن تتحملها والخصائص التي تبحث عنها والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها لمعرفة ما إذا كنت ترغب في اختيار شركة تكنولوجيا مالية أم شركة تكنولوجيا تنظيمية أو الاثنين معًا.
باختصار،
شركات التكنولوجيا التنظيمية أو الرقابية تساعد المؤسسات المالية في تحقيق الامتثال التنظيمي عبر أتمتة العمليات وتسهيل آلية عملها. يتم فيها توظيف بدائل مؤتمتة قادرة على التكامل مع أنظمة المؤسسة لضمان اتباع المتطلبات الرقابية والتنظيمية. أتمتة التقارير، وإدارة الأزمات والمخاطر، والتعرف على الهويات والتحقق منها تعد كلها جزءًا من حلول التكنولوجيا التنظيمية أو الرقابية.
شركات التكنولوجيا المالية، على الصعيد الآخر، لا تُعنى بالجزء المتعلق بضمان الامتثال القانوني للمنشأة وفقًا للقوانين الرقابية بقدر اهتمامها بتقديم حلٍ ماليٍ يساعد العملاء ومقدمي الخدمات على حل مشكلةٍ ما مثل طريقة الدفع. وذلك عبر استبدالها بحلول رقمية تغني عن الحاجة إلى تنفيذ المهام بطرقٍ تقليدية، حيث تعمل على تضمين التكنولوجيا للقيام بذلك أيضًا. تستهدف التكنولوجيا المالية الشركات وعملائهم عبر تقديم حلولٍ متكاملة تأخذ بعين الاعتبار حاجات كل من الطرفين على حدٍ سواء.